قبل الخوض في مسببات الهجرة من بعض بلدانالمشرق العربي لابد من الإشارة إلى أن العلاقاتالمسيحية – الإسلامية عبر التاريخ تميزت بوجهين:
الأول:
يمكن أن يوجه كرسالة إلى العالم ,تؤكد على أنالعلاقات المسيحية – الإسلامية تاريخيا كانت فيالمستوى العالي المطلوب ,أو بعبارة أخرى مرت هذهالعلاقات من حيث طبيعتها وفحواها في أقنيةصحيحة ,مما أدى إلى خلق مناخ وطني في كلالمراحل خاصة الصعبة منها.
الثاني:
أن بناة هذه العلاقات المميزة وضعوا أسسا لا تتزعزعلعلاقات أقوى حاضرا ومستقبلا ,وقد يكون هذا الوجه الثاني هو الأهم لان صفحة الماضي قد طويت,وحتى إذا أساء الواحد إلى الآخر تبقى العبر هيالأهم ,لأنها تشكل هذا الأساس لرؤية صائبة تتطلعإلى مستقبل أفضل للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين.
فإذا عدنا إلى العلاقات المسيحية الإسلامية بشكلعام لوجدنا أنها ليست حديث العهد فالمسيحيةببعض رؤاها ومعتقداتها موجودة في آيات واضحةفي القران الكريم.أما حول حرية وممارسة الشعائرلدى المسيحيين ومكانتهم في المجتمع ودورهم فيبنائه ,فنجد أن القران يوصي بحماية بيعهم والتشديد على أن ذكر الله هو دائم في صلواتهم , فأمة أمنت أنها كانت خير امة أخرجت للناس ,أمنت بانالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو مبدأ أساس لهافي علاقاتها مع الأخر.
ومما لا شك فيه أن العلاقات بين المسيحيين والمسلمينلا يمكن أن تكون مميزة إلا على مبدأ المساواة.فالعدالةهي الأساس التي تمنح الحرية الكاملة لكل المؤمنين,والقران الكريم بين أن المساواة و العدالة بين الناس,ليس فقط في الشعارات التي ينادي بها الناس,وإنمامبدأ أساس من الإيمان الذي أراده لكل الشعوب..ومجمل القول أن نظرة الإسلام من خلال القرانالكريم إلى المسيحية واضح ,فهو بني على أن : وإلهنا وإلهكم واحد .فإذا كان القران الكريم وهو الأساس في الإسلام يحث المسلمين على أن يربطواعلاقات مميزة مع المسيحيين ,فهل من أداة أخرىتستطيع أن تغير في رؤية الإسلام إلى المسيحية عبرالتاريخ.
ومما لا شك فيه بان الحروب والأزمات السياسية فيمنطقة المشرق العربي تساهم في تقوية الهجرة كماهو حاليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو فيالعراق أو في سوريا .فان الذي يحدث حاليا فيالمنطقة لا يمكن وصفه بهجرة دينية ,فهي أصبحتفي الآونة الأخيرة هجرة من مناطق الحروب إلىمناطق الأمل أو الملاذ لاماكن أمنة أكثر من الوطنالأم,مثلها مثل هجرة المسلمين الجزائريين منذ الحربالعالمية الأولى والثانية التي هي بهدف البحث عنحياة أفضل.
لكن الخطر الداهم حاليا هو هجرة تتصاعد منذ عقودفي البلدان التي يشكلون جزءا أساسيا من بناهاالديمغرافية مثل العراق وسوريا ولبنان ومصروفلسطين وبلدان أخرى ومن أسبابها ما جرى من قتلإرهابي ضد المصلين والكهنة في كنيسة النجاة فيالعراق والتي راح ضحيتها ما يقارب الستين قتيلبالإضافة لأكثر من مائة جريح مما حذا بالمواطنينالعراقيين الطلب من الحكومة العراقية على اتخاذالإجراءات اللازمة للحد من العمليات الإرهابية التيتقوم بها جماعات متطرفة ضد المساجد والكنائس.
أما في فلسطين تعتبر سياسة المحتلين الإسرائيليينحيال الفلسطينيين والمسيحيين منهم خاصة سببارئيسيا لهجرتهم، وقد تدهورت أعدادهم في شكل لافت في الأربعة والخمسين سنة التي انقضت, وكانانخفاض عدد هؤلاء واضحا في المدن والقرىالمسيحية آو المختلطة مثل القدس ,بيت لحم، بيتجالا، ورام الله، واتجه جزء هؤلاء في البداية إلىالبلدان العربية بقصد العمل أو الدراسة أو الإقامةالمؤقتة, لكن كثيرين منهم غادروا لاحقا إلى بلدانالغرب التي شجع العديد منها هجرة المسيحيين إليهافي إطار عملية توطين تمثل جانبا من جوانب حلسياسي لصراع الفلسطينيين مع إسرائيل.
علما بأن عدد المسيحيين في المنطقة العربية يصلإلى ما بين 12 إلى 15 نسمة غالبيتهم تعيش فيمصر, ويتوقع البعض أن يهبط الرقم إلى 6 ملايينبحلول عام 2025 نتيجة موجات الهجرة المتواليةللمسيحيين.
أما في نتائج الهجرة المتزايدة فجاءت بفعل التقلباتالسياسية لبلدان المشرق العربي وما خلفته من أثاراقتصادية واجتماعية دفعت الملايين من مسيحييالمنطقة إلى الهجرة ,الأمر الذي أسفر عن مجموعة منالنتائج السلبية على حياة المنطقة وبلدانها مثلالتغييرات في البنية الحضارية و الثقافية للمنطقةوالتي كانت في الأساس منطقة تنوع ديني يعيشفيها المسلمون والمسيحيون و اليهود إلى جانب أتباعديانات أخرى ,مزيد من الكراهية على أسس مذهبيةوعرقية وفقدان المنطقة جزءا من طاقاتها وقدراتهاالبشرية والمادية ,وهي طاقات تحتاج إليها في عمليهالتنمية.
بغض النظر عن الأوضاع المتأزمة في بلداننا العربية , فإننا بحاجة لنشر ثقافة قبول الأخر واحترامهواستخدام كل الوسائل التربوية و التعليميةوالإعلامية و الثقافية المتاحة وهذا يتطلب جهودجماعية مشتركة ومنظمة بين المسلمين والمسيحيين , وعمل على ارض الواقع.وعدم الاكتفاء بالخطاباتالعاطفية “ رغم أهميتها “,بل يتطلب أيضا تحديثالخطاب الديني وتطويره بحيث يساهم في إعادةاللحمة بين أبناء الوطن الواحد ,وإزالة الأحكام والتصورات المسبقة عن الأخر ,والسعي للتعلم والفهمعن الأخر .وعلى ضوء ما ذكر أعلاه ,فان هجرةالمسيحيين من المشرق العربي يساهم في إفقارالهوية العربية وثقافتها وأصالتها ...
إذن لا بد من الحفاظ على الوجود المسيحي فيالمشرق العربي كضرورة إسلامية بقدر ما هو ضرورةمسيحية. وواجب إسلامي بقدر ما هو واجبمسيحي